ياحليل الزمن الجميل

النستولجيا والحنين إلى الماضي

كزول بيعمل فيديوهات كتيرة, بحضر كل فيديو كم مرة اثناء المونتاج والتنقيح. بس بعد النشر, انتهى البرنامج. يعني نادر شديد ماأشاهد فيديو أكثر من مرة, بالذات اذا انا ظاهر فيه. بتعلم من كل فيديو وتجربة جديدة, بس كمان لازم أبدأ في شيء جديد عشان أتطور.

حصل معاي موقف بعد عرض فلمي في نيويورك, كان في شابين سودانيين حضرو الفلم, وسألوني بعد العرض:”في رأيي, متى كان عصري الذهبي؟”
“When did you feel was your prime?”
السؤال دا كان مستفز شديد! حسسوني انو عمري تسعين سنة وخلاص كراع والقبر (رجل وأمشي القبر). شباب اليومين دي ياحاج! *يضحك في سره*. جوابي كان: أحسن فترة هي حسي, الآن!. أنا حسي عرضت فلم وثائقي شغال فيه شهور, وعصرت فيه خبرة سنين من صناعة الأفلام, وبعرضه وين؟ في نيويورك كمان!, احسن مكان لصانع أفلام وحلم حياة لكثير من الناس. ف دا وقتي.
الشابين قالوا لي انو كان في رأيهم أحسن فترة هي فترة نشرة اللخبار وداقي جرس. وفعلا دا كان أحسن زمن لأي زول سوداني بيتابعني على يوتيوب. فترة كنت مخصص فيها زمني كامل لإنتاج الفيديوهات. فيديوهين في الإسبوع, وواحد منهم برنامج أخباري بإنتاج اعلى من أي إنتاج تلفيزيوني ساعتها, وكمان في فترة الكورونا كان أحسن من أي برنامج “تولك-شو” من ناحية إنتاج, مصور من البيت فترتها.

دا غير إن الفتره القبلها كان فيها التعاون مع قوقل ضمن مبادرة سفراء يوتيوب للتغيير, والأنتجنا فيها أربعة أفلام بالتعاون مع قوقل, وكمان عرضنا الأفلام دي كان في كمية من الجامعات والمراكز الثقافية, وكان مصحوب بتدريب صناعة الأفلام والفيديوهات. ف بالجد دي كانت فترة فيها إنتاج كثير مرئي والناس شايفاه وحتى الإعلام والمقابلات الصحفية كانت مدورة. بس حالياً الحاجات ماكلها واضحة للناس عشان كدا المقاييس بتختلف.


ماحأنكر إني كمان بتذكر برامج ومسلسلات كرتون قديمة بحس بيها أحسن شيء في العالم. وكل مرت بتذكر الإيام ديك, وبعيش في دوامة “زمان والزمن الجميل”. بس دا كلو ناستولجيا ومعيشة في كبسولة زمنية خيالية, بنتذكر الحلو فيها واللحظات العشناها, وكل شيء فيها من وحي الخيال. بتذكر دراسات نفسية عن الموضوع دا, وإن عقلنا الباطن بيتخييل حاجات كثيرة ماحصلت, وبيعمل سناريوهات غير حقيقية من ماضينا. فبالتالي ممكن تكون كل ذكرياتنا كذب في كذب وحكايات من نسج الخيال وزيها زي شطحات كليلة ودمنة, والف ليلة وليلة.
كدي ذكرني تاني أمبارح إتغديت شنو؟ وكنت لابس يوم الخميس الفات شنو؟ – دا بس عشان تعرف ذاكرتك تعبانة كيف وممكن عادي تعيش إسبوعك من غير ماتتذكر فيه أي شيء من غير صورة ولا فيديو يأكد ليك إن الحصل فعلا حصل.
Pictures or it didn’t happen

مامشكلة إننا نتذكر اللحظات الحلوة ونعيش لحظات جميلة من الماضي في مخيلتنا, حتى ولو اللحظات دي فيها أشخاص كانو بيسعدونا وقتها, وذكرياتنا معاهم بتفرحنا كثير. وأنا محظوظ شديد والحمد لله إني كنت جزء من لحظات حلوة لزول حضر لي فيديو خلاه يضحك, ناقشت فيه فكره غيرت تفكيره أو وجهة نظره. أو حتى الناس الكانت بتحضرني عشان تعرف حال السودان, وكنت مصدر أخبارهم وقت التعتيم أثناء الثورة السودانية.

دا كلو حلو ومافيه أي مشاكل. المشكلة بتبقى لمن نتوقع من الناس البنحبهم إنهم يفضلوا عالقين ومحبوسين داخل اللحظات الحلوة دي وبس. لايتطوروا ولا يتغييروا, ويفضلوا ينتجوا نفس المحتوى ويعيشونا في نفس السعادة الكننا بنعيشها ونحن بنحضرهم زمان. دا ظلم ليهم ولنفسنا.
الحاجة دي فكر فيها حاليا ودموعي حتجري, إتذركت اني ماكنت بتخيل أبوي في يوم حيكبر ويموت من غير ماأكون معاه في لحظاته الأخيرة. ماكنت قادر استوعب الرجل الصلب المبتسم, الشخص الحركي ودايماً صاحي بدري ممكن يوم يجي ويتعب وينوم مايصحى تاني.


كننا بنضحك على الأجيال الفاتت في السودان لمن يتكلموا عن زمان, البلد لمن كانت بخيرها, ويسرحوا في الحنين للماضي وزكريات الزمن الجميل. فنحن لو إستمرينا في النستولجيا والحنين للماضي من غير مانتقبل الحاضر ونعمل على تغييره للأحسن, حنعيش في نفس الدوامة ونستمر في نفس الإسطوانة من حكاوي زمننا الجميل ولمن الدنيا كانت بخيرها وذلك الطلس. (طلس: مسطلح سوداني يعني الغش في هذا الصياغ).

خلاصة القول ياعزيزي, عيش في الدنيا دي كرحال بكره ممكن يموت. أعمل كل شيء بإتقان وتفاني في الأداء, وحاول تكون تغيير إيجابي في حياة الناس الحوليك. بس توقع إنو بكره ممكن مايصبح عليك, وتكون الليلة آخر ليلة ليك في عمرك, فشوف ذكراك وبصمتك العاوز تخليها في العالم شنو.